يكفي أن يضع المرء جملة "معنى كلمة.." على محرّك البحث "غوغل" حتى يرى مدى انتشار القواميس الإلكترونية على الشبكة العنكبوتية، إذ أصبحت تلك القواميس والمعاجم نقطة جذب ومصدراً للمعلومة لدى كافّة الأوساط، طلاباً أو صحفيين أو مترجمين أو غيرهم من فئات المجتمع، وذلك لما توفّره من ضخامةٍ في كمّ المعلومات وسهولةٍ في الوصول إليها . لكن ما أهم ميزات تلك القواميس وما هي مآخذها وعيوبها، وما إمكانية الثقة بها؟ وهل انعدمت الحاجة إلى القاموس الورقي؟. في هذا التحقيق نحاول الإجابة عن هذه الأسئلة عبر آراء عدد من المترجمين المحترفين.
يرى عاطف شرايعة مدير قاموس ومعجم "المعاني" الإلكتروني الشهير أنّ أهم ميزات المعاجم الإلكترونية هي البحث المرن، إذ لا يحتاج الأمر أكثر من توفّر "إنترنت" على جهاز الموبايل أو الكمبيوتر، على عكس المعاجم الورقية التي تحتاج مثلاً إلى معرفة جذر الكلمة أو أصلها (الجذع).
وأوضح شرايعة أنّ المعاجم الإلكترونية توفّر قائمة بتصريف الأفعال والاشتقاق الصرفي والإكثار من الأمثلة، وهو ما يصعب وربما يستحيل توفّره في المعاجم الورقية. أما تعقيدات المعاجم الورقية فهي أنها تضع رموزاً واصطلاحات لا يفهمها المستخدم العادي.
ويطرح شرايعة مثالاً "عند محاولة البحث عن كلمة "مستسقى" يجب على المستخدم أن يعرف أن جذر الكلمة هو "سقي" وأن جذعها هو "أسقى"، ثم يبدأ رحلة البحث عنهما في المعجم الورقي، وكذلك في حالة "فأسقيناكموه"، يجب على المستخدم أن يعرف أن جذر الكلمة هو "سقي"، وأن جذعها هو "أسقى" ثم يبدأ رحلة البحث أيضاً. وتابع: "لكن في المعاجم الإلكترونية، يمكن للمستخدم إدخال الكلمة كما هي، ثم يقوم المعجم بتحليل الكلمة، ونقل المستخدم مباشرة إلى (سقي)". بالإضافة إلى ذلك توفّر القواميس الإلكترونية ميزة البحث بالصوت للمكفوفين والصم والبكم.
عيوب في المحتوى
بالنسبة للعيوب، لا يرى شرايعة أنّ هناك ثغرات في المعاجم والقواميس الإلكترونية إلا من ناحية المحتوى، وقال "أقصد هنا المعاجم العربية، فكلها بحاجة إلى تدقيق كونها اجتهادات فردية ومحوّلة من معاجم أخرى بطريقة المسح الضوئي، عدا عن قدم محتواها"، وأضاف أنّ هناك صعوبة في تدقيقها، كون الأمر مكلف وبحاجة إلى اختصاصيين وهو ما لا يتوفر كونها تعتمد على جهود ذاتية في الغالب، والقائمون عليها ليسوا أصحاب اختصاص لغوي. واعتبر شرايعة أنّ على المؤسسات الرسمية ومراكز الأبحاث أن تتبنّى مشاريع إنشاء ودعم القواميس الإلكترونية بالتعاون مع أصحاب الخبرة في هذا المجال.
ويلفت شرايعة إلى أنّ أكثر المعاجم ما زالت ورقية، ولكنه يتساءل: "ما الذي يمنع أصحاب دور النشر من توفيرها بصورة تطبيقات، موقعنا "المعاني" مستخدم بشكل كبير ومسجل كرقم واحد في فئة المعاجم على الشبكة العنكوبتية وفي التطبيقات، ولديه حوالي 500 ألف مستخدم يومياً".
إشكالية القواميس الورقية في بطء تحديثاتها
المترجم أسامة منزلجي يرى أنّ أهمّ ما في القواميس الإلكترونيّة هو أنَّ تحديثها دائم، والمواد الجديدة تُضاف إليها أولاً بأول. وأما عيوبها فهي بحسب قوله "غالبيتها ليست مجّانيّة بالكامل – كما ينبغي أنْ تكون - ولذلك أعتبر القواميس الإلكترونية خدمة لغوية يجب أنْ تكون متاحة للجميع دون مقابل".
وأشار منزلجي إلى أنّ القواميس الإلكترونيّة يجب أنْ تكون موثوقة، لأنَّ مصدرها جهات أكاديمية وهو لا يعتقد أنها تغامر بمصداقيتها، بل على العكس تتسابق في مجال المصداقية دعماً لمركزها ومكانتها .
وعن تجربته مع القواميس الإلكترونية قال منزلجي: "في الواقع أنا لم أتصفّح العديد من القواميس على الإنترنت، لكنها عندما تكون شاملة فهي مفيدة جداً، ولذلك أتمنى أنْ تكون مجانيّة".
"الورقية" لن تنعدم برغم "تخلّفها"
وعمّا إذا كانت القواميس الورقية تواجه خطر الانقراض، قال منزلجي "كلا، لم تنعدم، ومن الصعب تخيُّل ذلك. من ناحيتي، أنا أفضّل الورقيّة. مشكلتها الكبرى أنَّ تحديث موادها بطيء جداً، وبين صدور طبعة وأخرى، يكون قد ظهر العديد من الكلمات والتعبيرات الجديدة، وهذا الأمر يحدث بوتيرة سريعة ولذلك أصبح محكوماً على القاموس الورقي أنْ يُصبح متخلفاً في مدة قصيرة، إلا إذا أصبح يصدر كل شـهر مثلاً!. على أي حال، أعتقد أنَّ متصفح غوغل أصبح جيداً جداً في خدماته بهذا المجال". وختم منزلجي بالقول "لا أستطيع أنْ أدّعي أنني أعرف الكثير عن القواميس على الإنترنت، لكنّي أتمنى أنْ أكتشف المزيد من الفعّالة منها".
القواميس الورقية هي المصدر والمرجع
الناقد والمترجم ناصّر ونّوس يرى أنّ القواميس الإلكترونية توفّر ميزاتٍ لا يمكن أن توجد في القواميس الورقية مثل سرعة إيجاد معنى الكلمة أو المصطلح أو حتى الجملة، وقال: "خلال ثوان قليلة يمكن العثور على معنى الكلمة أو الجملة التي تريد تبعاً لسرعة الإنترنت، بينما نحتاج أحياناً لبضعة دقائق كي نجدها في القاموس الورقي، وأحياناً لا نجدها إذا كانت المفردة جديدة دخلت إلى اللغة التي تترجم عنها بعد طباعة الطبعة الأخيرة للقاموس الورقي".
وأضاف ونّوس "الميزة الأخرى لهذه القواميس هي إيجاد معاني المفردة في سياقاتها المختلفة، ووفقاً لما ترجمه متخصصون سابقون، وفي أحدث ترجماتها. وهذه ميزة يتيحها كل من قاموس (Reverso Context) وقاموس غلوسبي (Glosbe) الذي اكتشفته شخصياً قبل أيام فقط. كما أن القواميس الإلكترونية يتم تحديثها لحظة بلحظة، وعلى مستوى مستخدمين منتشرين في كافة أنحاء العالم. بينما القواميس الورقية لا يمكن أن يتم تحديثها إلا مع صدور طبعة جديدة للقاموس. وخلال الوقت الذي يتم فيه تحديث القاموس وإخراجه من جديد وطباعته يكون قد دخل إلى اللغة التي يصدر فيها القاموس عشرات الكلمات الجديدة".
حرفية المعنى وعدم الثقة
يعتقد ونّوس أنّ الثغرات والعيوب التي تنطوي عليها القواميس الإلكترونية قليلة، ومنها إعطاء المعنى الحرفي للجملة أو الكلمة في بعض الأحيان، وهو معنى لا يكون صحيحاً إذا ما أخذ في سياق الجملة أو الفقرة. ولهذا، بحسب رأيه، لا يمكن الثقة في ترجماتها بالنسبة للعبارات أو النصوص، وحتى مع بعض المفردات.
وينصح ونّوس بحكم خبرته أنّ لا يركن المترجم إلى قاموس إلكتروني واحد بل يستخدم عدة قواميس، ويعود إلى القواميس الورقية إذا تطلب الأمر. والأفضل من كل ذلك، وفق قوله، أن يتقن المترجم على الأقل لغة أجنبية واحدة عدا اللغة التي يترجم عنها، وتابع: "بحكم معرفتي للغة الروسية والألمانية أقوم بترجمة المفردة من الألمانية إلى الإنكليزية عندما أشك في ترجمتها إلى العربية، وأقوم بالشيء نفسه عندما أترجم عن الإنجليزية إلى العربية، حيث أقوم بترجمة المفردة من الإنجليزية إلى الروسية عندما يصعب إيجاد معناها الحقيقي، لكي أصل إلى معناها الدقيق قدر الإمكان".
ويشير ونوّس إلى أن الحاجة للقواميس الورقية لم تنعدم بعد، فهي تبقى بمثابة مراجع ومصادر لا بد من العودة إليها بين الحين والآخر.
أفضل القواميس
يفضّل عاطف شرايعة "المورد" بالنسبة للقواميس الإنجليزية، فيما يتعامل أسامة منزلجي مع قواميس أخرى مثل: "Merriam-Webster وCollins Cobuild"، وذلك من أجل الاستخدامات المتعدّدة للّغة، خاصة ما دخل منها حديثاً إلى القاموس. أما ناصر ونّوس فأفضل القواميس الإلكترونية بالنسبة له هو "Google Translate".
المشاركون في سطور:
عاطف شرايعة
درس الهندسة الكهربائية في الجامعة الأردنية في عمان، وحصل على الماجستير في هندسة الاتصالات من جامعة بيرنامبوكو الاتحادية في البرازيل. درّس اللغة العربية لغير العرب في البرازيل. وهو ملم بعلم البرمجة بحكم تخصص الهندسة، الأمر الذي ساعده على البدء بمشروع "قاموس المعاني"، ولكن ترك الناحية الفنية للمتخصصين لاحقاً، وركّز على توفير المحتوى. يعمل أيضا مترجماً بين البرتغالية والعربية.
أسامة منزلجي
مترجم سوري متفرِّغ، تخرج من جامعة دمشق، كلية الآداب/ قسم اللغة الإنجليزية وآدابها عام 1975. بعد التخرج عمل في إحدى الشركات لفترة وجيزة، ثم تفرّغ كلياً للترجمة. صدرت ترجمته الأولى عام 1980: "ربيع أسود " لهنري ميللر. وآخر ما صدر له ثلاث ترجمات للكاتبة الإنجليزية آلي سميث: "المُصادفة" و" كان ولكن ذلك الحقيقة"، أما الكتاب الثالث فسوف يصدر قريباً تحت عنوان "كيف تكون كليهما". وما بين هذه العناوين صدر للمترجم أكثر من خمسين كتاباً، وبعضها أُعيد طبعه أكثر من مرة. معظم هذه الكتب صدر عن دار المدى للطباعة والنشر ومركزها الأصلي في بغداد – العراق.
ناصر ونّوس
مترجم وناقد سينمائي ومسرحي، ومؤسس ورئيس تحرير موقع "سينما العالم الثالث" الذي توقف عن النشر. ونوّس حاصل على ليسانس في النقد المسرحي من جامعة دمشق، ويتحدّث العربية والإنجليزية والروسية والألمانية بطلاقة. عمل في العديد من المؤسسات الصحفية والإعلامية في مجال النقد والترجمة والبحث، وله العديد من الإصدارات، منها في الترجمة: "الحرب على العراق" و"سينما ساتياجيت" وفي التأليف: "مسرح في مهبّ الرقابة".
0 تعليقات