الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي يستقبل رئيس إقليم كردستان العراق نيجرفان بارزاني في طهران
العراق والمنطقة بشكل عام تشهدان حراكاً سياسياً ودبلوماسياً ساخناً وزيارات متبادلة بين زعماء المنطقة لم تشهدها منذ ثورة الربيع العربي عام 2011، وخاصة بعد أحداث 7 أكتوبر والحرب غير المتكافئة بين إسرائيل وقطاع غزة، التي خلّفت وراءها ضحايا مهولة أثّرت بشكل كبير على الضمير العالمي، من خلال مظاهرات عارمة عمّت المدن الأمريكية والأوروبية تنديداً بالاعتداء الإسرائيلي. ومن ثمّ، دخلت إيران وتوابعها في لبنان واليمن والعراق بشكل مباشر في الصراع، الأمر الذي أثار مخاوف الأمريكيين والغربيين من توسيع رقعة الحرب لتشمل المنطقة بأكملها.

ورغم مشاركة إيران المباشرة في الحرب ضد إسرائيل، فإنها رأت أن الحرب يجب ألا تمتد إلى خارج حدود إسرائيل وفلسطين. ولم تكن الزيارة التي قام بها رئيس حكومة إقليم كردستان في شهر أيار الماضي إلى أمريكا إلا محاولة أمريكية غربية لإبقاء الصراع في دائرة ضيقة وحل مشاكل دول المنطقة بطرق الحوار الدبلوماسي.

أعقبت زيارة رئيس الحكومة الكردية زيارة أخرى مهمة في نفس الشهر لرئيس الوزراء العراقي إلى واشنطن واجتماعه بالرئيس "جو بايدن"، وفور عودته إلى بغداد، تم إطلاق رواتب موظفي الإقليم. وكذلك، بالنسبة لزيارة الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، بصحبة وزير دفاعه وخارجيته إلى العراق وإقليم كردستان في توقيت واحد، وهو شهر أبريل الماضي، فإن الزيارة جاءت متوافقة تماماً مع الاستراتيجية الأمريكية القاضية بضرورة تهدئة الأوضاع وتصفية الخلافات بين القوى المؤثرة في المنطقة وعدم توسيع مساحة الحرب الجارية بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وبحسب اللقاءات والاتفاقات الأمنية والسياسية والاقتصادية التي عُقدت بين الطرفين التركي والعراقي، فإن الزيارة كانت ناجحة في إيجاد مخرج للقضايا الشائكة مثل المياه والنفط وزيادة حجم التبادل التجاري.

وطبعاً، لم تتخلف إيران عن هذا الحراك السياسي الجاري في المنطقة، بل شاركت فيه بقوة. فما إن ودّع أردوغان العراق وعاد إلى تركيا، حتى أرسلت إيران دعوة رسمية إلى رئيس إقليم كردستان "نيجيرفان بارزاني" لزيارة طهران والالتقاء بكبار المسؤولين لبحث المسائل المشتركة، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية (إبراهيم رئيسي).

من المعروف عن "نيجيرفان"، من خلال عمله السياسي الطويل وزياراته المكوكية إلى بغداد وسعيه لتقريب وجهات نظر الأطراف السياسية المختلفة، أنه لا يفوت أي فرصة سانحة لحل المشاكل مهما كانت مستحيلة وغير قابلة للحل، سواء بين أربيل وبغداد أو بين الأطراف الكردية المتنازعة داخل الإقليم. وقبيل زيارته إلى طهران بيومين، التقى في بغداد بالمسؤولين ورؤساء الأحزاب والميليشيات، وتوصل معهم إلى اتفاق ضمني لحل الأزمات العالقة.

وحسب المصادر الصحفية، فإن رئيس الإقليم بحث مع المسؤولين الإيرانيين عدة ملفات مفصلية، منها: تعزيز العلاقة الثنائية بين الطرفين وحل الخلافات بينهما وتهدئة قلق إيران من تطورات العلاقة بين أربيل وأنقرة عقب زيارة (أردوغان)، وملف الأمن والحدود الذي يتصدر المباحثات، حيث تعرضت أربيل إلى سلسلة ضربات صاروخية مدمرة من قبل القوات الإيرانية بحجة وجود قواعد إسرائيلية "وهمية"، وقد نفتها أربيل وبغداد مراراً. وكذلك، ملف العلاقة السيئة دائماً بين بغداد وأربيل والعقوبات الاقتصادية الصارمة التي تفرضها بغداد على الشعب الكردي، وقرارات المحكمة العليا ضد كوتا المكونات في الإقليم وفرض موعد للانتخابات بشكل تعسفي، وغيرها من الملفات الساخنة التي تعكر العلاقة بين البلدين الجارين.

ورغم العلاقة السيئة بين الطرفين، فإن إيران تدرك جيداً مدى أهمية الإقليم الجيوسياسية لها، ولا يمكن التفريط بها. بالإضافة إلى موقعه المهم في وسط منطقة صراع "دولية"، فإنه يعتبر موطئ قدم استراتيجي لأمريكا والدول الغربية في المنطقة التي تعتبر معادية لها. بالإضافة إلى أهميته الاقتصادية، حيث يعتبر أكبر الأسواق للبضائع الإيرانية والتركية، إذ يصل حجم التبادل التجاري بينهم إلى آلاف المليارات من الدولارات!

وأخيراً، فإن الاستقبال الكبير والحفاوة البالغة التي تم استقبال رئيس الإقليم بها في طهران تدلان على مكانة الإقليم ورئيسه عند إيران ودول المنطقة!

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).