يحتاج الإنسان في لحظات حاسمة إلى التفكير بهدوء وترو، دون الاندفاع والحماسة التي قد تأتي بنتائج عكسية، على الأقل بعد تجربة التسع سنوات السابقة التي تفرض وعيا أكبر.

يدور الحديث عن خروج مسيرات مؤيدة للنظام غدا، لتكون في مواجهة مظاهرات تهتف بالكرامة لكافة السوريين، وهناك مخاوف من أن تتحول التجمعات إلى ساحة صدام وفتنة داخل المجتمع المحلي.
من البديهي القول إن أي صدام في السويداء لن يصب في مصلحة أحد، ولن يخدم قضية عادلة، والخطير في الأمر أنه سيكون صداما أهليا ١٠٠٪؜.

لا شك أنه لا يوجد تكافؤ في ميزان القوة بين النظام وشابات وشبان الحراك السلمي، لا سيما أن أعدادهم ستكون محدودة مقارنة بالأعداد التي من الممكن أن يسوقها النظام كالنعاج إلى الساحات.

اليوم كما الأمس، النظام قادر على حشد موظفين وطلاب وعناصر مسلحة بزي مدني، تحت تهديد الفصل من العمل والمحاسبة، وهذا ما يؤكده التسجيل المتداول لفتاة يقال إنها من اتحاد الطلبة البعثي، تتحدث، كما أمرتها الأجهزة الأمنية، بلغة الوعيد والتهديد لكل من يتخلف عن الحضور، وهذا ما دأب النظام عليه طيلة خمسة عقود.

التهديد بلقمة العيش سيجبر الناس على الخروج للهتاف باسم بشار الأسد، لكن في الواقع هذا ليس إنجازا ولا انتصارا، فنحن اليوم لسنا في عام ٢٠١١ ولا ٢٠١٣ ولا حتى ٢٠١٥.
اليوم، تعيش سوريا مراحل متقدمة من الانهيار الاقتصادي، والناس يعانون الأمرين في تأمين قوت يومهم، وكثيرون لا يجدونه حتى.

ليس الإنجاز حشد الناس كالقطيع، بل إصلاح الوضع الاقتصادي، وهذا من سابع المستحيلات بوجود النظام، ولا يحتاج الأمر إلى ذكاء أو فراسة لإثباته.
إذا خرجت مسيرة في الغد فلن تكون صدمة أو مفاجأة غير متوقعة.. اتركوا الساحة لهم، الغد وبعد الغد وبعده وبعده، وليخرجوا طوال الأسبوع.. هل سيغير ذلك شيئا من مرارة الواقع؟ هل ستحدث معجزة وتتحول "سورية الأسد" إلى سويسرا؟.. بالطبع لا، بل سيستمر انهيار الاقتصاد وستهوي الليرة أكثر فأكثر.

لا شك أن النظام حاقد وناقم على السويداء، ألم يعبر بشار بنفسه عن استيائه من عدم التحاق آلاف الشبان بالخدمة الإجبارية، ألم يتخلص من الشيخ وحيد البلعوس بتفجير أودى بحياة العشرات؟. السويداء اليوم في ظل هيمنة النظام تعاني من فوضى أمنية وعمليات خطف وسلب، باتت تنافس أمريكا الجنوبية، إن لم تتفوق على بعض دولها حتى، وذلك على مرأى ومسمع وتواطئ وتورط الأجهزة الأمنية، وهذا ليس بالاكتشاف، فالقاصي والداني يعلم به.

لكن مع ذلك، لا يزال النظام يملك أوراق قوة في السويداء، وهو قادر على تفجير الوضع متى أراد، وهذا ليس تكهنا ولا تحليلا، إنما هي دروس مستفادة من تجارب سابقة، لا شك أن الجميع يدركونها جيدا، وقوة النظام بطبيعة الحال لا تنبع من صلابته وتماسكه، إنما من بنيته المافيوية والتخريبية، وهو قادر وراغب بالانتقام.

أعتقد، وهذا رأي يحتمل الخطأ أو الصواب، أن رسالة الشباب والشابات، في المظاهرات الفائتة، مع كل الاحترام والتقدير لهم، قد وصلت. (وهم أدرى مني بالتأكيد بمسارهم وطريقهم).
الرسالة المهمة، أن الكثيرين ثابتون على موقفهم من الظلم والقمع والاستبداد الأسدي، وفِي الوقت ذاته إعادة التأكيد على زيف ادعاءات النظام بأن الأقليات ترغب ببقائه واستمرار حكمه.

اللافت حقا أن الاحتجاجات لم تشهد مظاهر تشبيح كما كان يحدث قبل سنوات، وهذا مؤشر واضح على تغير مزاج الناس وقناعة الكثيرين منهم أن المسؤول الأول عن معاناتهم هو "الرئيس" صاحب المسؤولية الأكبر في تحسين المعيشة وإيجاد حلول للأزمة الاقتصادية.

(لن أنسى القول إن مظاهراتكم الرائعة لم تكن فقط صفعة في وجه النظام، بل أيضا صفعة "لشبيحة المعارضة" المستلقين على ظهورهم في أوروبا أو في أحضان الجولاني الإرهابي.)

في نهاية المطاف، الصدام ليس حلا ولن يخدم قضايا السوريين، بل سيكون هدية مجزية للنظام، الذي رغم إغراقه المحافظة بالفوضى والعصابات، لكنه فشل في كل محاولاته السابقة بجر الناس إلى اقتتال أهلي. فلا تقدموا له اليوم على طبق من ذهب ما عجز عنه ويبيته لكم منذ زمن.

دعوهم يخرجوا في مسيرات، ليهتفوا باسمه ساعات وربما لأيام، لكنهم سيعودون ويكفرون به، لأنه عاجز عن إنهاء معاناتهم وفقرهم..هم ليسوا زوجته حتى ينفق عليهم كما أنفق ملايين الدولارات على لوحة لها.. سيسوقهم كالقطيع.. حتى راعي الأغنام يسهر على سلامة قطيعه وتأمين غذائه، لكن "رئيسهم" عاجز عاجز.

- المصدر: من صفحة الكاتب على فيسبوك.

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).